الشخصية مفتاح النجاح الوظيفي- أفكارك ومشاعرك وسلوكك في العمل

المؤلف: سامي الدجوي11.12.2025
الشخصية مفتاح النجاح الوظيفي- أفكارك ومشاعرك وسلوكك في العمل

هل تأملت يومًا في السر الكامن وراء تفوق بعض الأفراد في ميدان العمل، بينما يصارع آخرون لتحقيق النجاح؟ قد يظن البعض أن السبب يكمن فقط في المؤهلات الدراسية الرفيعة، والخبرات المتراكمة، والمهارات الوظيفية المتقنة، إلا أن الحقيقة قد تكون أعمق من ذلك بكثير، وأكثر تعقيدًا وتشابكًا. فما هو هذا السر يا ترى؟

تتضافر عوامل عديدة لتساهم في تحقيق الموظف النجاح المنشود في عمله، ومن بين هذه العوامل، تبرز شخصية الموظف كعنصر بالغ الأهمية، بل ربما الأهم على الإطلاق. وشخصية الموظف، ببساطة، هي عبارة عن: مجموعة من الأنماط الثابتة نسبيًا من الأفكار والمشاعر والتصرفات التي تميزه عن غيره من الأفراد، وتؤثر بشكل مباشر على طريقة تعامله وتفاعله مع زملائه ورؤسائه، ومع بيئة العمل المحيطة به، وكيفية إنجازه للمهام الموكلة إليه. وبتعبير آخر أكثر تفصيلاً، فقد نشر البروفيسور أدريان فرنهام بحثًا قيمًا بعنوان "الشخصية في العمل: الفروق الفردية في مكان العمل"، وأشار فيه إلى أنه لفهم شخصية الموظف فهمًا عميقًا وشاملاً، يجب علينا أن ننظر إليه من ثلاثة جوانب رئيسية: أفكاره، ومشاعره، وسلوكه. في الجانب الأول، نمعن النظر في أفكاره البناءة والقيمة، والتي تتجسد في قيمه ومبادئه التي يؤمن بها إيمانًا راسخًا، والتي تحدد بدورها ما هو مهم وأساسي بالنسبة له في الحياة والعمل. وفي الجانب الثاني، نركز على مشاعره الإيجابية، مثل الولاء والانتماء، والرضا الوظيفي العميق، والثقة بالنفس وبالآخرين، والتي تعكس مدى إيجابيته وتفاؤله تجاه منظمته ومؤسسته، ووظيفته التي يشغلها، ورأيه في زملائه ورؤسائه. أما الجانب الأخير، فهو سلوكه الإيجابي، والذي يتمثل في كفاءته العالية في العمل، وقدرته الفائقة على أداء المهام الموكلة إليه بفعالية وإتقان وجودة عالية. فالكفاءة، في جوهرها، تعكس مدى تمكن الموظف من تطبيق مهاراته ومعارفه وخبراته المتراكمة لإتمام العمل المطلوب منه على أكمل وجه.

ولتوضيح ذلك بمثال حي وملموس يجمع بين أفكار الموظفين ومشاعرهم وسلوكهم المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بشخصياتهم، نذكر مثالًا لشركة جوجل الشهيرة. يُعرف عن موظفي شركة جوجل التزامهم العميق بقيم الشركة النبيلة، وتفانيهم في تحقيق أهدافها. لنفترض أن أحد مبرمجي الحاسب الآلي في جوجل لديه مجموعة من القيم الإضافية الخاصة به، مثل الصدق والأمانة والنزاهة والالتزام التام بأخلاقيات العمل الرفيعة. وفي يوم من الأيام، اكتشف هذا المبرمج المخلص خللًا أمنيًا خطيرًا في تطبيق جوجل كروم (Google Chrome) الذي يعمل عليه، فبادر على الفور بالإبلاغ عن هذا الخلل، دون تردد أو خوف، رغم أن هذا الإجراء قد يهدد مكانته الوظيفية المرموقة، وربما يؤثر سلبًا على صورة فريق العمل بأكمله أمام الإدارة العليا. ولكن الذي دفعه إلى اتخاذ هذا القرار الشجاع هو مشاعره الصادقة من الحب والولاء لعمله، وشعوره العميق بالرضا الوظيفي العالي الذي يتمتع به. ونتيجة لذلك، حركته تلك المشاعر النبيلة إلى بذل المزيد من الجهد والعمل بجد واجتهاد لزيادة إنتاجيته، والبحث الدؤوب عن حلول تقنية فعالة ومبتكرة لمعالجة ذلك الخلل الأمني الخطير. فقام بتوسيع نطاق معرفته، وتطوير مهاراته، وصقل خبراته، حتى توصل في النهاية إلى حلول جذرية ونهائية لمعالجة ذلك الخلل والقضاء عليه تمامًا. فقامت الشركة، تقديرًا لجهوده وإخلاصه وتفانيه، بمكافأته على الفور ومنحه ترقية مستحقة.

وهنا قد يتبادر إلى ذهن أحد القراء الأعزاء سؤال هام وضروري، وهو: من هو المسؤول عن بناء شخصية الموظف وتطويرها؟ والإجابة على هذا السؤال هي أن مسؤولية بناء شخصية الموظف تقع على عاتق عدة أطراف، كل منهم يلعب دورًا هامًا ومحوريًا في هذا الجانب. أولاً، الموظف نفسه، وذلك من خلال التعليم الذاتي المستمر، والقراءة والاطلاع، واكتساب المعرفة والخبرات الجديدة. ثانيًا، المنظمة أو المؤسسة التي يعمل بها الموظف، حيث تتحمل مسؤولية كبيرة في خلق بيئة عمل إيجابية ومحفزة، تدعم القيم والمبادئ الأخلاقية النبيلة، وتعمل على تطوير مهارات الموظفين وقدراتهم، وتقدير جهودهم ومكافأتهم على إيجابياتهم. ثالثًا، المديرون والقادة في المنظمة، فهم أيضًا يتحملون مسؤولية كبيرة، لأنهم بمثابة القدوة الحسنة للموظفين، ويشجعونهم على التصرف بشكل صحيح ومسؤول، ويعززون فيهم القيم الإيجابية. رابعًا، الأسرة والمجتمع، فلهم دور كبير ومؤثر في إعادة تشكيل شخصية الموظف وتوجيهها نحو الأفضل. وبعد أن ازداد وعينا في هذا المقال بأهمية بناء شخصياتنا وتطويرها، فقد آن الأوان للقيام بمسؤوليتنا تجاه أنفسنا ومجتمعنا، فكل واحد منا يمتلك القدرة الكامنة على إحداث تغيير حقيقي وإيجابي في شخصيته.

وبإيجاز ما سبق، تتضح لنا جليًا أهمية شخصية الموظف كعامل حاسم ومحوري في تحديد مسار نجاحه في العمل، بل وتتجاوز أهميتها حدود المؤهلات العلمية والخبرات العملية والمهارات الوظيفية. فشخصية الموظف هي التي تساعده على تحديد قيمه ومبادئه، وتنعكس مشاعره على مستوى رضاه الوظيفي، وتتجلى كفاءته في قدرته على أداء المهام بفعالية وجودة عالية. وهذا كله يؤدي في النهاية إلى زيادة إنتاجيته وتحقيق النجاح الوظيفي المنشود. إن فهم وتطوير شخصية الموظف لا يُعد مجرد تحسين فردي لشخص واحد، بل هو المفتاح الذهبي والاستثمار الحقيقي في نجاح المنظمة بأكملها. وأخيرًا، ولكي نبني وطنًا قويًا ومنتجًا ومزدهرًا، نحتاج إلى موظفين يتمتعون بشخصيات قوية وإيجابية، تتجاوز أفكارهم ومشاعرهم وسلوكهم حدود الوظيفة الضيقة، وتسهم في بناء مجتمع أفضل ومستقبل أكثر إشراقًا. فتطوير شخصية الموظف ليس فقط من أجل تحقيق النجاح الفردي، بل هو واجب وطني مقدس، يسهم في رفعة المملكة وتقدمها وازدهارها، وتحقيق رؤيتها الطموحة للمستقبل. تذكر دائمًا هذه القاعدة الذهبية: شخصيتك هي أهم أصولك المهنية على الإطلاق.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة